الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام، فأجابهم وكتبوا بينهم كتابًا، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: اكتب ما يريدون» فَهَمَّ المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحملوا.{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله اختارها لهم، أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة ال {كَلِمَةَ} إلى {التقوى} لأنها سببها أو كلمة أهلها.{وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا} من غيرهم.{وَأَهْلُهَا} والمستأهلين لها.{وَكَانَ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمًا} فيعلم أهل كل شيء وييسره له.{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا} رأى عليه الصلاة والسلام أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا أن ذلك يكون في عامهم، فلما تأخر قال بعضهم والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا البيت فنزلت والمعنى صدقة في رؤياه.{بالحق} ملتبسًا به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل، ويجوز أن يكون {بالحق} صفة مصدر محذوف أي صدقًا ملتبسًا {بالحق} وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإِيمان والمتزلزل فيه، وأن يكون قسمًا إما باسم الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} جوابه وعلى الأولين جواب قسم محذوف.{إِن شَاءَ الله} تعليق للعدة. بالمشيئة تعليمًا للعباد، أو إشعارًا بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا، أو النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.{ءامِنِينَ} حال من الواو والشرط معترض.{مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ} أي محلقًا بعضكم ومقصرًا آخرون.{لاَ تخافون} حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك.{فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} من الحكمة في تأخير ذلك.{فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ} من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة.{فَتْحًا قَرِيبًا} هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود.{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} ملتبسًا به أو بسببه أو لأجله.{وَدِينِ الحق} وبدين الإِسلام.{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقًا وإظهار فساد ما كان باطلًا، أو بتسليط المسلمين على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم المسلمون، وفيه تأكيد لما وعده من الفتح.{وكفى بالله شَهِيدًا} على أن ما وعده كائن أو على نبوته بإظهار المعجزات.{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} جملة مبينة للمشهود به، ويجوز أن يكون {رَسُولِ الله} صفة و{مُحَمَّدٌ} خبر محذوف أو مبتدأ: {والذين مَعَهُ} معطوف عليه وخبرهما.{أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} و{أَشِدَّاء} جمع شديد و{رُحَمَاء} جمع رحيم، والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم.{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّنَ الله وَرِضْوَانًا} الثواب والرضا.{سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود} يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة السجود، فعلى من سامه إذا أعلمه وقد قرئت ممدودة و{مّنْ أَثَرِ السجود} بيانها أو حال من المستكن في الجار.{ذلك} إشارة إلى الوصف المذكور. أو إشارة مبهمة يفسرها {كَزَرْعٍ}.{مَثَلُهُمْ في التوراة} صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها.{وَمَثَلُهُمْ في الإنجيل} عطف عليه أن ذلك مثلهم في الكتابين وقوله: {كَزَرْعٍ} تمثيل مستأنف أو تفسير أو مبتدأ و{كَزَرْعٍ} خبره.{أَخْرَجَ شَطْأَهُ} فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ، وقرأ ابن كثير وابن عامر برواية ابن ذكوان {شَطْأَهُ} بفتحات وهو لغة فيه، وقرئ {شطاه} بتخفيف الهمزة و{شطاءه} بالمد و{شطه} بنقل حركة الهمزة وحذفها و{شطوه} بقلبها واوًا.{فَآزَرَهُ} فقواه من المؤازرة وهي المعاونة أو من الإيزار وهي الإعانة وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان {فَأزَرَهُ} كأجره في آجره.{فاستغلظ} فصار من الدقة إلى الغلظ.{فاستوى على سُوقِهِ} فاستقام على قصبه جمع ساق، وعن ابن كثير {سؤقه} بالهمزة.{يُعْجِبُ الزراع} بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره، وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة قلوا في بدء الإِسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس.{لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} علة لتشبيههم بالزرع في زكاته واستحكامه أو لقوله: {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فإن الكفار لما سمعوه غاظهم ذلك ومنهم للبيان.عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد عليه الصلاة والسلام فتح مكة». اهـ.
|